الجزء الثاني من لقاء سودان اليوم مع د. محمد جلال هاشم

سودان بكرة:

نرحب بكم في الجزء الثاني من حوارنا مع الدكتور محمد جلال احمد هاشم الكاتب والمفكر ونواصل حديثنا ..

هل هناك فرق حول من اطلق الطلقة الاولى، وكل الحديث الدائر حول هذه النقطة، هل لهذا السؤال معنى وتأثير بالنسبة لك؟

د.محمد جلال هاشم:

لا معنى له، لا يسأله له إلا من وصفتهم بالأغبياء وان كانوا علماء؛ الغباء الايدولوجي كما قلت

يجب أن نسمى الأشياء بمسمياتها، عندما تصل هذه المرحلة نواجهها بمسمياتها، لذلك أنا لا اقول الدعم السريع بل مليشيا الجنجويد كما اطلقوا على أنفسهم، وأرفض تسميتك لهم بالدعم السريع.

هذه ليست المرة الاولى التي يصاب فيها الشعب بظاهرة الغباء الايدولوجي، في يوم من الايام كانت الشعوب الاوروبية إذا أرادت وصف أحدٍ بالغباء وانه شخص ميؤوس منه يقولون أنه ألماني، وفي أحد الأزمان كان الصينيون يصفون من فيه غباء مطلق لا رجاء منه بحسب معتقداتهم بالياباني، هذه الظاهرة تصيب الشعوب.

اذا أردنا الحديث بمنطق الطلقة الاولى، وأن الكيزان هم من اطلقوها أو حرضوا على ذلك، ألم يكن لحميدتي وهو نائب رئيس مجلس السيادة أن يدعو لإجتماع بعد أن تصدوا لهم وردوهم على أعقابهم، وبدلاً من أن يخرج في بيان الساعة السابعة صباحاً لتهديد البرهان وإعلان الحرب على الجيش، ألم يكن ليعلن لتفلتات فقط من بعض أفراد الجيش ليفسروا له قيادات الجيش ذلك. وقد رأينا جميعاً فيديو في الخامسة صباحاً للجنجويد في قلب الخرطوم يهللون ويقولون “استلمنا السودان” متى حصل ذلك؟ ثم ان المواجهات كانت في جميع مواقع الجيش وبالتنسيق ومع تجميع جميع قوات الجنجويد، وماذا نقول عن تواجد قوتين عسكريتين متوازيتين في دولة وطنية واحدة.. الحروب الأهلية لا تنشأ بالتحريض.

عندما غزا هتلر بولندا، أنشأ محطة إذاعة في منطقة حدودية وأذاع من داخلها بعض الجنود الألمان بالإدعاء أنهم بولنديين وهم من شنوا الحرب على ألمانيا، هذه خدعة من خدع هتلر.   الحرب تقوم بحكم الضرورة والضرورة هنا القوة العكسرية الضخمة التي توفرت لهتلر والتعبئة الأيدولوجية التي قام بها لسنوات وسط الشعب الألماني وأوهمته بأنه أفضل شعوب الأرض وعلى باقي شعوب الأرض أن تذعن له، ولم يعاقب الشعب على ذلك فيما بعد فإذا تم تضليل مجموعت ثقافية بواسطة النخب لا نعاقب المجموعات الثقافية، فما الذي حدث يا أخي حسان؟ الحرب قامت بحكم الضرورة والان اذا تم الاتفاق مع الجنجويد وأعادوهم لمكانة ما قبل الحرب سيكون هذا تأجيل لحرب تهدد الدولة السودانية، ونكون قد صنعنا جميع الشروط الموضوعية الضرورية لتكرار ما حدث في الخرطوم في باقي السودان، لا يمكننا تأجيل حسم المعركة لمعركة أخرى لا تبقي ولا تذر.

في الدولة الوطنية بتعريف الفلاسفة لها هي “الدولة التي تحتكر ممارسة العنف” عبر الجيش وعبر مؤسسات إنفاذ القانون ومؤسساتها العدلية المستقلة، أول م حكمت به أنه لا يجوز وجود جيشان، واذا وجد جيشين فهذه وصفة جاهزة للحرب، وبالتالي من يطالبون بوقف الحرب وإمكانية عودة الجنجويد كلاعب سياسي واقتصادي دون حسيب ورقيب، وجنودهم يأخذون أكثر من مرتب ضابط الجيش حتى إذا تساووا مع الجيش بطبيعة تكوينهم السيئة كمليشيا فلا مفر من الحرب القادمة التي لا تبقي ولا تذر مع انتصار الجنجويد، والمنهزم الدولة السودانية والتي أقصد بداخلها الشرطة والجيش، من يشغلون أنفسهم بالطلقة الأولى بكل اسف فيهم أصدقاء وأشخاص عزيزين كنت أكن لهم الاحترام والاعجاب لكنهم وقعوا تحت طائلة الغباء الأيدولوجي وهي جائحة ونحن الان تجتاحنا بكل الأسف نرى الأشياء كما نريدها نحن ليس كما هي على الأرض.

سودان بكرة:

 تكلمت عن الحرب وكان موقفك قاطعاً وحاسماً منذ بداية الحرب فأصبحت من رموز الدعوى ضد الجنجويد، اذا قسمنا الأراء حول الحرب إلى تيارات كما يقسمها البعض، أنت في تيار يطلقون عليه “بل بس” ولا أظنك استخدمت هذه العبارة من قبل، وقلت بوضوح أن نعم لإيقاف الحرب ولا للجنجويد، وهنالك من يقول أن الموقف الأخلاقي والسياسي يقول أنه يجب أن تتوقف الحرب لما فيها من دمار وتبعات انسانية، وايضاً من يقول أنه ليس للجيش قدرة عسكرية لحسم الحرب فيدعو لإيقافها، وأن جميع الحروب تنتهي بالمفاوضات فيجب علينا التشجيع على مفاوضات “منبر جدة” والمبادرات الأخرى، فكيف ترى هذه المواقف المختلفة؟

د.محمد جلال هاشم:

أولا مسألة عبارة “بل بس” ذكرتها لي بالامس في مداخلة اختي وصديقتنا العزيزة رشا عوض فقلت لها دعينا ألا نتنابز بالألقاب، وشرحت لي بالأمس هذا المصطلح الغريب ولم اكن افهمه ولا اتعامل بهذه الأشياء ولا اريد اختزال المواقف في مجرد الفاظ وعندما تختزل المواقف فأنت توفر على الكسالى أن يدخلوا في تلافيف القضية وفي مقالاتي حذرت من الإستقطبات، وفي فقرة واضحة قلت أنني لن اقبل أبدا أن يأتي لي شخص بعد الحرب ليخون من يريد.

نريد أن نقيم المراجعات لا التخوينات فإذا أقمناها لن يخرج منها أحد ليس بخائن،

هذ خطأ كبير ويشمل الجميع.

أما من ناحية لا للحرب، فأنت كمدني ليس بقدرتك أن توقف الحرب وأذكر في الهدنة الأولى كنت في منطقة الرياض والطائف، وقلت لصديق لي-وأنا سعيد أنه اليوم فقط الرابع من سبتمبر تمكن من الخروج من منطقته الخطرة في الخرطوم- أنني سأذهب لأختبر الهدنة وكان السوق المركزي مكانا مناسباً لذلك وذهبت الى اللاماب ايضاً، وكتبت بعدها أن الجنجويد يعدون لهجوم وغالبا سيكون على المدرعات، ولكن ليس بوسعنا فعل شي ضد مليشيا لا تعرف مفهوم الدولة الوطنية، لايمكن عقد هدنة معها، وبالنسبة لمنبر جدة أنا لا أنصح السودانيين في التحدث كثيراً بشأن الوكلاء الاقليميين هؤلاء لا حول لهم، أنا اتكلم عن الامبرالية الكبيرة، هذا خط أمريكي الغرض منه كسر إرادة الشعب السوداني والضغط على الجيش للقبول بالجنجويد مرة اخرى

لذلك فيما يسمى بالبيان السياسي للجنجويد طالبوا بهدنة طويلة الأمد لأنه يتقوى بها وفيها؛ لأجل إعادة قواه وترتيب صفوفه.

الحرب يوقفها المعتدي -الذي اسسه الجيش وحلاه- بتسليم سلاحه أو بالهزيمة حتى وإن تبقى أخر مواطن سوداني ليحمل السلاح ضدهم، لقد استعمرونا من قبل وتم فرض سيطرة أجنبية كاملة على البلاد، بالتالي أريد ان أقول أن لا للحرب هي رسالة موجهة للمجتمع الدولي، وانه لا يجب ان نترك الامبريالية تتبضع فينا وان نضغط عليها بالرأي العام ونرسل رسائلنا، لا للحرب نعم هي مخاطبة للمجتمع الدولي لإيقاف الحرب، والمجتمع الدولي يمكنه الضغط على الجيش، يمكنه الضغط على الأطراف المتحاربة ومعاقبتها كما فعل قبل عشرون عاماً في مجلس الأمن ضد الجنجويد، وبالتالي يجب دمج لا للحرب ولا للجنجويد لإرسال رسالة كاملة للمجتمع الدولي الذي يريد شرعنتهم، ثانيا نقطة أنه يجب وقف الحرب لأن الجيش لا يستطيع حسمها،

إذا افترضنا أن الجيش دخل حامياته وحرسها وانتظر فيها الى ان يأتيه الجنجويد أما الشعب السوداني فلا دخل لهم به ” للشعب رب يحميه”  وطاح الجنجويد في الشعب السوداني بنفس الطريقة التي رأيناها في نيالا والجنينة والخرطوم، فرأى مثلا رئيس وزراء أثيوبيا أبي أحمد ذلك وتدخل ليحمي الشعب ويطرد الجنجويد، فهل نقول أننا محايدون؟ وهذا جيش أثيوبي لا يعرفوننا ولا يعرفون لغتنا ولا نستطيع التواصل معه ولكنه يحمينا، نحن نعلم أنه عندما يوجد أفراده تكون المنطقة أمنة، وتفرد نظامية الدولة، نحن كمواطنين مدنيين الجيش السوداني يحمينا الأن فهل نقول يجب ان توقفوا الحرب أو نحن محايدون؟ هذا منطق غير سليم.

  ثم اذا افترضنا انهزام الجيش وقتل جنوده هل سنستسلم كشعب للجنجويد؟ أم ستكون هناك مقاومة من المدنيين؟ عندما قاوم الجزائريون الاستعمار الفرنسي، هل كان هناك جيش جزائري؟ لا. لديك جيش بعلله و%50-80 منه من صغار الضباط، لقد ذهبت للشجرة ورأيت الجنود بالفعل.

  ينتقدون أيضا كتيبة تسمى البراء بن مالك ويتذرعون بها ليقولوا أن الجيش به “كيزان”، هل لدى كتائب البراء مدرعات أوطائرات، بل مثلهم مثل باقي الجنود ليس لديهم الا سلاح الكلاش

هذا كلام يقال لمن عنده “كيزانوفوبيا” ولمن في قلبه مرض، بالتالي أريد القول أننا لن نسقط للجنجويد ونختار الوقوف بجانب الجيش، لا يمكن أن نتركها للجنجويد والامبرياليين ليأتوا ويقسموها مرة أخرى بل نريد أن  نواصل جهدنا من حيث توقفنا كدولة يحميها جيشها ويموت جنوده في سبيلها، لا يجب أن نلتفت لمن يحركه خوفه من الكيزان، اذا رأى أحدهم مباراة بين ريال مدريد وبرشلونة يسأل من يشجع الكيزان ليشجع هو الطرف الأخر، للأسف ” القلم ما بزيل بلم” وهؤلاء هم النخب المتعلمين. وأنا لا تعجبني هذه القفزات حتى عندما قدمتني أنت ب”الأستاذ والمفكر” وفي كل كتبي التي كتبتها لم أكتب أي تعريف لي قبل اسمي ولولا المسؤولية الأخلاقية لأصدرت كتبي بدون اسم، ولا أرى في السودان مفكرين، نحن فقط نجتهد لنبني الأراء مع أنني أرى الأن أنها ذاهبة أدراج الرياح لكننا لا نعرف اليأس.

  وبالتالي لا يجب التحدث باسم الجيش لم يستسلم الجيش ولم يعلن يأسه وهذه الأشهر الماضية غير كافيه للحسم.

  عندما كنت أسكن بحي اللاماب كنت أجلس مع جنديين باستمرار، وكنت أسألهم مما يدور في ذهني، سألتهم ذات مرة كم جندي من الجيش يوجد خارج الخرطوم قالوا بما يفوق مئة وخمسون ألف، قلت لهم لماذا لا يأتون الى الخرطوم؟ قال لي أحدهم انتم مدنيون تفكرون بطريقة مدنية وتظنون أن المشاة هم من يبقون في المدن وهذا غير صحيح، مشاة الجيش هم من يخوضون الحروب البرية، والسيطرة ليست في توسع الرقعة التي توجد بها جغرافياً، الأن الجنجويد في شارع مدني والستين يصنعون ارتكازات للمارة ليخلقوا وهماً بالسيطرة، ولا أهمية لهم، والجيش مدرب على المهام الخارجية وليس حرب المدن هذه مهمة القوات الخاصة، إذا أخذت الجنود الى وسط العاصمة فسأحتاج الى كمية كبيرة لأن الجنجويد يختبئون في المنازل والمنشآت، ولن تفرغ ذخيرتهم بسهولة. لقد كتبت حديثي مع قائد عسكري مشهور لا استطيع ذكر اسمه ان لم استئذنه، وأن هنالك موقع دخل فيه عشرون الف عربة مسلحة للجنجويد وقد نشر هذا الخبر في بداية الحرب وأصبحوا الان قرابة خمسة الاف فقط، وهذا ما رأيناه حقا عندما كنا بالخرطوم وأنهم يتزاحمون في مركباتهم، ويستولون على مركبات المواطنين، وهذا حديث ظباط في الجيش.

 لقد انتقدت الجيش، وقلت أن خطته محكمة للقضاء على الجنجويد ولكن ما اخذه عليه أنه لم يضع حسابا للمواطنين، عندما طارد الجنجويد فدخلوا بيوت المواطنين. خطة الجيش أن يحاصرهم في شرق النيل وما بين النيلين ولا يضع لهم أي مجال وخطوط انسحاب لدارفور، لا يجب أن يقرر المدني أن الجيش لا يستطيع حسم المعركة بدون معرفة خططه العسكرية.

ولكن قما قلت ليس هذا ما يهمني، بل أن يقف الجميع لحماية السودان من الجنجويد، والأن بدأت لجان المقاومة بحمل السلاح، لا مفر ولا مناص من ذلك.

سودان بكرة:

  لقد نشرت مقالاً في 21 اغسطس، الجزء الأول منه كان المراجعة العسكرية، وتحدثت فيه عن ما ذكرته سابقاً وأنه يجب على المدنيين الاستفسار من أصحاب الخبرة في الشؤون العسكرية، ولكن هنالك جرائم حرب مثل قصف الطيران والإعتقالات وعدم حماية المدنيين أيضا في الجنينة وغيرها ، ما رأيك في ذلك؟

د.محمد جلال هاشم:

أولاً موضوع مدينة الجنينة، وجد الجيش أن لا مقارنة بين أعداده وأعداد الجنجويد في الجنينة، ولقد صُنع الجنجويد لمحاربة مجموعات ثقافية معينة في دارفور ظهرت فيها حركات مسلحة فعاقبوا المدنيين منهم، وقد كانت طبيعة الحرب في دارفور مازالت مرتبطة بالتركة القديمة، ولم يهتم الجيش بما يفعله الجنجويد هناك، ومن الصعب تحليل الوضع هناك بدون هذه الحقيقة، أما القصف في الخرطوم، فلدي استفسار لم أجد له إجابة، منذ أول الحرب الى أن غادرتها بعد شهرين ونصف، لم يتوقف الطيران لأي لحظة، كم عدد طلعات القصف الجوي منذ بداية الحرب الى اليوم، أنا لا أعلم لكن لا يمكن أن يكون أكثر من ألف غارة، أرجو أن تستقصي القناة عن هذه المعلومة، كم عدد الغارات التي تضرر منها المواطنون، أعلم أنهم أعلنوا عن تسعة عندما كنت في الخرطوم، ولنقدرها بعشرون غارة، لقد قلت كثيرا أنها غير مبررة، وفي تسجيل حول نقد خطاب المؤتمر السوداني أن خطأ واحد في عصر الدقة والتصويب غير مبرر، ولكنها نسبة قليلة، غير مقصودة، وتعد أضرار جانبية تسبب بها الجنجويد الذي يستخدمون المواطنين كدروع بشرية، إذا كانت نسبة كبيرة فعلا فانها جريمة حرب، ولكني لا أملك معلومات دقيقة. واطلاق الأحكام على عواهنها يساوي بين طرفي الصراع العسكريين، وأجده كمطالبة الغرب في الصراع الفلسطيني مع اسرائيل للطرفين بتهدئة النفس، هكذا تقرأ المواقف المتحيزة، هذه المساواة تصب في خانة الجنجويد.

    لا أظن أن للجنجويد قطاع مدني يمثله، ولا الرزيقات لقد تضرر الجميع منهم، لم يهتم الجيش بعمل مشروع سياسي إلا مؤخراً وبالنسبة لي أن هذه القذائف التي أصابتني مسؤول عنها الجنجويد وحدهم وفي رأي الكثيرين أنهم استقصدوني

 ولو علمت أنهم قصدوني بها لخرجت لهم في العلن،

 وأتى إلي أفراد استخبارات عسكرية وشرحوا لي مسار القذائف التي سقطت في المنزل المجاور لي وأخريات ألحقوهم بي بعد أن خرجت، وقالوا أن هذا استهدافاً لي، وقلت أنني لو كنت أعلم باستهدافهم لخرجت لهم في العراء، وحتى عندما نقلت الى المشفى جاؤوا ليسألوا عني وظلوا يبحثون بين هويات المرضى وتم تهريبي الى مدني، أن أخشى م أخشاه أن ينتصروا فهذه أفعالهم بالمواطنين أثناء الحرب كيف بعدها. وأيضا أخشى من أن ينتصر الجيش وينطلق بعدها الى دكتاتورية عسكرية بعد أن يلتف حوله الشعب، سيبدأ بسلاح التخوين واستقوى الكيزان في الحرب بسلاح الفوبيا منهم المنتشرة. ولقد بدؤوا بالفعل بمعاداتي كشخص سياسي لا أتفق معهم.

  ليس من الحكمة في شئ أن تفقد أي قوة سياسية مدنية صوتها وفاعليتها السياسية، كل ما يريده الشعب منك أن تدين الجنجويد وتدين تنكيله بالمواطنين، ولن يتنازل عن هذا الحق، ولكن مازالوا لا يفهمون، ويصرون على تخوين الجميع وتخويني واتهامي بالتحريض، ولكني مع ذلك لن أقبل أن يخون الجميع بعد الحرب وأنا لا أخون قوى الحرية والتغيير، نحن وجدنا في تناقضات جعلت قطاع واسع من الشعب يفقد ثقته في الجيش وهذا شئ خطير يتحمل مسؤوليته الجيش، وفي دعوة المراجعة وفي بيان نشرناه في أول الحرب حذرنا فيه من أي محاولات للجيش بتسليح قبائل الزرقة ونصحنا القبائل بألا يفعلوا مثل ما فعل الجنجويد والا أصبحوا مثلهم.

سودان بكرة:

لقد تناولت في ثلاث مقالات بتواريخ 21، 23 أغسطس المراجعة المدنية وقوة الضغط، فهل توضح لنا مقصدك بهذه المفاهيم؟

 د.محمد جلال هاشم:

لقد قلت أنني أخشى وأحذر من أن تفقد القوى المدنية في ظل هذا الوضع فاعلية الضغط السياسي، بسبب عدم إدانتها للجنجويد، وتمسكها بأن الجيش السوداني تحت سيطرة “الكيزان”، لا يمكن اصلاح الجيش أثناء الحرب، هذا يستدعي تفكيك أجزاء كبيرة منه، في فترة مدنية وقوة سياسية قوية قادرة على تسيير الأمور وقيادة عسكرية مؤمنة بوجود خلل في الجيش، ليس بالمطالبة في منتصف الحرب،  ولا يمكنك التهديد بأنك لن تدعمه الى أن يتم اصلاحه، هذه عقلية الكسل وهذا سذاجة، لذلك أقول أن على قوى الحرية والتغيير إدانة الجنجويد بصورة واضحة، وأن حرب الجنجويد مع الشعب السوداني وكيان الدولة السودانية، وليس الجيش السوداني لتظل تطالب الطرفين بما تطالبه، وأن هذه المعركة لا يجب أن تنتهي أبداً بإعادة الجنجويد للمشهد السياسي.

لن نتخلى أبداً عن مستحقات الانتقال المدني الديمقراطي واعادة الجيش للثكنات واصلاحه، ولكن هذه المعركة لا يمكن أن تكون ضد الكيزان، وليس هنالك ما يدعوكم لفقد مشروعيتكم السياسية، إذا أردتم العودة لمناصبكم بعد الحرب، سيكون عبر اتفاق مع الجيش عبر سلطة المجتمع الدولي، ولعلمك في الدولة الوطنية الحلول التي تأتي من الخارج تصنع من المشاكل أكثر مما تحل، في احدى كتبي قلت أن الدولة المهدية عندما أصبحت دولة ظالمة، كان علينا أن نزيلها بأنفسنا، وعندما تمت إزالتها بقوة خارجية، كانت نتيجتها خطيرة  بتكريس الطائفية ودعوة التوحد مع مصر(الاتحاديين الذين مازالوا يحملون هذا الاسم) بصورة انهزامية وخالية من الاستقلالية، لا تنتظروا الحلول من الخارج.

سودان بكرة:

سنتوقف هنا أعزائي المشاهدين حتى الحلقة القادمة، الجزء الثالث والأخير.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *