الجزء الثالث و الأخير من لقاء سودان اليوم مع د. محمد جلال هاشم
سودان بكرة:
مساء الخير مشاهدات ومشاهدين سودان بكرة في برنامج سودان اليوم، ومرحبا بكم في الجزء الثالت والأخير مع الأستاذ والمفكر محمد جلال هاشم.
لقد طرحنا وناقشنا الكثير من المواضيع والكثيرمما قيل يستحق الاستتباع، ولكن دعنا نخصص؛
أولاً فهمت من رأيك أن القوى الخارجية تصطف مع الجنجويد، ولا أعلم إن كنت تظن أن الجميع لديهم موقف واحد أو مواقف متعددة وهم وكلاء متعددين، والإمبريالية العالمية في الفترة الانتقالية -اذا كنت تتفق معي- كانت تسير مخططاتها أيضا سواء عبر الجيش أو قيادات كانت محسوبة على الثورة، فماذا يريدون الان؟
د.محمد جلال هاشم:
أذكر أنني أطلقت في أيام اعتصام القيادة العامة على مصر والسعودية والامارات “محور الشر” وبعد ذلك أصبحوا محور رباعي باضافة اسرائيل، ليس ذلك فحسب، بل كنت من الذين وقعوا في شرك توجيه الاساءات للشعوب وأعتذر على ذلك وسبق أن اعتذرت عبر مداخلة من المداخلات في فيسبوك، حتى أنني لا ألومهم على ذلك، لقد وقعهوا هم أنفسهم في نفس ورطتنا، لذلك نقول في “البان أفريكانزم” وأسمح لي أن أدخل في هذه التعريجة، كما يقول البروفيسور عبد الله الطيب عن أن الافراط هو فن الحكي عند العرب، في المؤتمر الثامن |(البان أفريكان) كونغرس الذي كان في جنوب أفريقيا عام 2014، لم أتمكن من الذهاب ولكني شاركت بورقة وكنت ملماً بما جرى فيه، ومنه تم الخروج بخريطة أفروعمومية قطعوا منها شمال أفريقيا باعتبار أنهم لا يريدون أن يكونوا في أفريقيا، نحن في السودان اعترضنا على ذلك، وقلنا أن الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هدف للامبرالية، وعليه نحن نعتقد أنهم مخرجنا، نعم لديهم الكثير من المشاكل ويواجهون الأكثر سمرة منهم بالكثير من العنصرية ولكن نعتقد أن هذه العنجهية تتعلق بالأيدولوجية الاسلاموعروبية لا بالثقافتين العربية والاسلامية، وبالتالي عندما نتحدث عن ذلك لا نبرر لأفعال حكوماتهم، لأن الأيدولوجيا دائما ما تنتهي بالسلطة عندما تعجز عن ثقافة الشعب، وهذه الشعوب مستضعفة مثلنا، واذا تم اخضاع حكوماتهم لاخضاعنا علينا أن نلوم أنفسنا قبل أن نلومهم. كل ما ذكرته يدل على أن لدينا قوى تدخل خارجية، الذراع الأولى فيها هي الأمم المتحدة، وموظفيهم الحاليين-فولكر-، وثانيها المنظمات غير الحكومية وثالثها هم الوكلاء الاقليميين ورابعها “كوبمرادورات” الامبرالية من الداخل. تأتي هذه الجهات مسرعة اذا فتحنا لهم بوابة للتدخل كما تدخل الكلاب الضالة ليلاً ونهاراً اذا فُتح لها الباب،
اذا لم يكن لك ثقة في الحلول من الداخل فلتأتي بدولة استعمارية وتتخل عن الدولة الوطنية. يجب علينا مراجعات قضايانا وعلاقاتنا الخارجية وأن نقوي علاقاتنا الداخلية، ولقد قلت في أحد كتبي أن الشعوب لا تدان كما لا تلعن، ليس لي أي حق بأن أحكم على شعب أخر يجب أن ألتفت لقضاياي وأراجع علاقتي بالشعوب المجاورة، يجب علينا اصلاح ما دمره الكيزان. أنا أعرف مجموعة من القيادات السياسية والفكرية من تنظيم الأخوان المسلمين، جبهة الميثاق والمؤتمر القومي الشعبي العربي الاسلامي لقد قدموا الكثير من المراجعات، وأقروا بأخطائهم الشنيعة وقالوا أن الكيزان ليس لديهم تنظيم مركزي بل هم طلاب سلطة، أنا لا استطيع أن أعبر فوق هذا بلا تثمين لهم، ولا أقول من كان “كوز” سيبقى هكذا الى يوم القيامة، وكما قال أستاذي العظيم الشاعر تادرس يعقوب الفرشوطي في قصيدته عندما كنت طالبا في المقرن وسجلتها له، قصيدة طويلة يحكي فيها عن مآسي الحياة وينتقد المجتمع ونفاقه في نهايتها قال “وأنا واحد تحدر منهم فمن الظلم أن أبرئ نفسي وما كان مني الا أن بادرته بوحي الخاطر وفي تلك اللحظة بيد أني صدعت بالحق جهراً ومن الناس من يقر بهمس” وهتف وقال الله أكبر، الله أكبر. كان ذلك في منتصف السبعينات في مدرسة المقرن. هذه مراجعة بسماحة وروح وطنية تدل على أن هذه البلاد بلاد عظيمة وأن الشعب السوداني من أعظم الشعوب قاطبة، قام بثلاث ثورات، قام بدوره كاملا.
سودان بكرة:
هناك حديث عن أن الجيش المصري في بداية الحرب شارك بجانب الجيش السوداني، بغض النظرعن صحة الأمر، هل مقبول أن يستعين الجيش بأي دولة خارجية لمشاركة فعلية في الحرب؟
د.محمد جلال هاشم:
من حيث المبدأ السياسي العام لا يصح ولا يحق لأي مدني أن يبحث عن حلول خارجية سياسية لمشاكله، وبالتالي لا يحق للجيش البحث عن مساندة عسكرية في مشكلة صنعها بنفسه، ولكن لدي نقطة أخرى، إني انصح جميع السياسيين السودانيين بأن يولوا اهتماما كبيراً بالجيش السوداني وأن ينموا معرفتهم العسكرية بالجيوش، وهذا ببساطة بأن تكون للسياسي علاقة قوية مع عسكريين سابقين.
ليس من السهل أن يأتوا بجيشين مختلفين للقتال في جانب واحد، ربما فقط لتبادل معلومات لا أكثر ولكن أن تكون هنالك عمليات عسكرية بلا تنسيق مسبق ستنجم عن كوارث كبيرة، شيء آخر قاله لي أحد العسكريين عن أنهم كيف سينتصرون على الجنجويد، هناك ما يسمى بشرك الموت، اذا ظلوا يختبئون في منازل المواطنين سيشتتون شمل القوة المضادة مهما كان عددهم، ان مخطط الجيش يكمن في أن يخرجوا هم للهجوم، لينقض عليهم أفراد الجيش، اذا هاجموا المدرعات حاوطوهم وضمنوا قتل نصفهم، هذه احدى تكتيكات الجيش وتعامله مع اختباء الجنجويد بين ممتلكات المواطنين؛ قصف مُركّز، عمليات نوعية داخل الأحياء أو استدراجهم نحو ما يريد. في هذا الاطار جاءت معركة مبنى الاستخبارات الاستراتيجية العسكرية ومعركتي اليرموك والاحتياطي المركزي، وأيضاً معركة المدرعات وماحدث في الجزء الشمالي الشرقي من استدراج، أما الجنجويد فلم يخوضوا تدريبات عسكرية مماثلة، وأتوا مباشرة إلى مكان الكمين.
عندما كنت في المشفى كان يستلقي بجانبي أحد الضباط وحينها تحدثنا عن معركة الاحتياطي المركزي وأخبرني بعدم أهمية المكان في ذاته للجيش، لقد كان موقعاً جيداً للمعركة لقتل هذا العدد الكبير من الجنجويد، وبالفعل عندما هرب الجنجويد منه وجدوا القوات الخاصة بانتظارهم في منطقة سوبا، فاضطروا للذهاب الى منطقة الكلاكلات التي كانت آمنة حتى تلك اللحظة وعاثوا بها فساداً، كل ما أريد قوله أن يستمع الشعب الى مخططات الجيش قبل التحدث عن الأمر، ولم يحتل الجنجويد حتى الان أياً من المواقع المهمة بالفعل.
سودان بكرة:
هنالك من أصبح يقارن تمرد الجنجويد بمرحلة الدولة المهدية، بالتحديد دولة الخليفة عبدالله، وهناك من يرى أن هذه اشارات عنصرية وغير صحيحة تاريخيا، فماذا تعتقد؟
د.محمد جلال هاشم:
من يقول ذلك هوعنصري وينتمي لما يعرف بدولة النهر والبحر الوهمية وهي دولة جنجويدية بامتياز، مواطنين دارفور هم ضحايا الجنجويد، يقول العنصري أن كل هذه المشاكل قادمة من دارفور ونريد أن نفصل وجودنا عنهم، بل هم ضحايا الجنجويد بما فيهم ما يسمى بالمجموعات العربية، هؤلاء هم أسوأ بقايا الكيزان والجنجويد من يحملون أفكارهم ويبشرون بها. في كتاباتي من تلك التي تعود الى منتصف الثمانينات قلت أن المهدية ثورة شعبية عظيمة غير مسبوقة في تاريخ الاستعمار الحديث الا بثورة العبيد في هايتي، ولكنها دولة تنتمي للأيدولوجية الاسلاموعروبية وكل نخب مابعد الاستعمار بيمينها ويسارها بما فيهم من زعماء قبائل وعشائر بالاضافة للمؤسسة العسكرية جميعهم اسلاموعروبيين، ولا يوجد فرق بينهم الا بالمقدار وليس النوع، وبالتالي هذا هو الاطار الذي نسير فيه، ومن المؤسف أن يلقن الناس ويدرسون هذه الثورة بالشكل السخيف أن المهدي هو المهدي المنتظر الذي يأتي في أخر الزمان ليملأ الأرض عدلا بعد ما ملئت جوراً، وليس في بعدها الوطني الثوري، ثم أن الدولة المهدية لمن تكن تختلف عن أي دكتاتورية فاشية، وكانت لها قبضة مركزية على كل شئ، مهدت لدكتاتوريات فيما بعد أسوأ منها، وقد قلت قبل هذا اذا استمر الأمرعلى هذا النسق سيأتي من يجعلنا نتمنى مثل أيام عمر البشير، وبالتالي تعلمت نخب الوسط من هذه الدولة أكثر مما هي تعلم، وتعلمت قبضتها المركزية، ولا تذكر مصطلح الفيدرالية الا للتلاعب والتبضع به.
سودان بكرة:
سؤالي الأخير، بعلاقاتك المعروفة مع الحركة الشعبية لتحرير السودان-قطاع الشمال بقيادة القائد عبد العزيز ادم الحلو، الحديث عن استغلالهم لموقف الجيش السوداني ومهاجمة مناطق في كردفان، هل لديك معلومات تستطيع الاضافة بها أو النفي ورأيك في موقف الحركة الشعبية بصورة عامة؟
د.محمد جلال هاشم:
شكرا لهذا السؤال، أنا أعلم أن الكثير من الجهات تعلم حقيقة المعلومات ولكنها تروج بأنني عضو في الحركة الشعبية أو الحزب الشيوعي وأنا الذي لم أؤمن في حياتي كلها بالاشتراكية، لدي ابن عمة من أعظم الشيوعيين السودانيين، هو الدكتور فاروق كدودة رحمة الله عليه، كنت دائما ما أقول له أعطني اشتراكية يمكنني تطبيقها دون نظام شمولي، وأنها بهذه الصيغة اللينينية التي وردتنا لا يمكن أن تأتي الا عبر نظام شمولي وديكتاتوري، هذا ليس حديثنا، هم يعلمون أنني لست شيوعياً ولكن بعضهم يلوي عنق الحقيقة لإنتقادي، ومن السهل عليهم انتقاد الشيوعيين، كما أنني لست عضواً في الحركة الشعبية مع كامل تثميني لكل من هو في الحركة الشعبية، أنا فقط حليف استراتيجي للحركة، وسبب حلفي لها رغم أنني أؤمن بالعمل المدني وليس المسلح هو اختلاف الأدوار، وأن النضال مصيره أن يصبح مدنياً وعلى اليدين أن تصفقا سويا.
النقطة الثانية أنني أرى أن الحرب الأهلية لم تبدأ بعد، وهذا ليس على سبيل التبشير، وبلغ الغباء بالبعض أن قال اذا أرات أن تأتي حركة من الهامش لتجتاح الخرطوم فقد فعلها لك حميدتي، حميدتي لم يأتي من الهامش حتى، حميدتي يمثل المركز، ولم يأخذ مكاناً لم يكن مسيطرا عليه قبل الحرب، هذا خلط للأوراق مقصود، وعندما تكون التناقضات بهذا الحجم تسمح بمثل هذا الخلط. الحرب الأهلية في رأيي هي حكم ضرورة، وما يفعله الجنجويد ليست حرب أهلية، بل حرب مليشيا صنعتها الجيش، لدينا تجربة حرب أهلية قادها النخب من قوات التحالف السودانية، ولكن في الحرب الأهلية لا يهم النخب، بل القواعد الذين يمولونها بالمقاتلين، لذلك لم تستطع الاستمرار وفي أول بياناتها، التي كتبت ونشرت عنها عام 1999 قالت تحالف النخب السودانية أنها حركة غالبيتها من الشماليين المسلمين، وهذه ليست القواعد التي ربت الغبن الذي يستطيع صنع مقاتلين. ثانيا لا علاقة البتة بين حركات الكفاح المسلح والجنجويد، حتى اذا فشلت الحركات في التعبير عن الغبن الواقعي؛ اليوم في دارفور هناك أكثر من33 ألف نازح طردهم الجنجويد، وأنا لم أقل أن من يحارب الجيش هو غير وطني بل تكلمت كثيراً عن مشاكله وهذه ليست مشكلتنا مع الجنجويد، فلم تكن معركتهم مع الجيش، في هذا الواقع لا مجال للمقارنة.
الحركة الشعبية لا تريد تسييل الدولة السودانية، قال عبد العزيز الحلو أنهم يريدون تسوية تاريخية وليس تغييراً جذرياً؛ التسوية التاريخية تعالج جذور الأزمة بالتعاون مع من صنعوا الأزمة وفي ظل وعي وطني، وبحكم تحالفي معهم وبصفتي رئيس مؤتمر كوش، ذهبت كنائب رئيس وفد التفاوض في جوبا ورأيت كيف أن الحكومة الانتقالية لم تعر للأمر اهتماماً، ووقعوا اتفاق جوبا الذي لا فائدة منه، مع حركات مسلحة غير مهمة.
لقد زارني القائد عبدالعزيز الحلو وبعض قادة الحركة الشعبية في منزلي بعد الإصابة، لم نتحدث كثيراً ولم ألتق به بعد ذلك، عندما سمعت هذه الأخبار سألت أحد القيادات وأخبرني أن هنالك مواقع في جنوب كردفان ضعيفة وبها أسلحة وفي ظل انشغال الجيش ينسحب منها وتخبرنا مصادرنا بذلك فنتوجه نحوها قبل أن يسيطر الجنجويد عليها، هذا ما سمعته ولم أسأل بعد ذلك. وليس العلاقة مع الجيش السوداني هي معيار الوطنية بل بقاء الدولة السودانية. إذا الرواية التي أخبروني بها صحيحة فالحركة الشعبية أولى بالأسلحة وليس المليشيات التي تريد تسييل الدولة.
سودان بكرة:
دكتور محمد جلال هاشم أنا شاكر جداً لهذا الحوار الملئ بالمعلومات والتحليل والأفكار والأراء، نتمنى أن نلتقيك قريباً
د.محمد جلال هاشم:
أشكرك يا حسام وكل الفريق العامل، وأتمنى أن نلتقى بعد نشر المقابلة وتداول أرائها والنقاش حولها.